الواقعية في العقيدة الاسلامية
لابد لنا ونحن نخطو خطوات ثابتة نحو الوحدة الاسلامية ان نبين ملامح في العقيدة الاسلامية، فالعقيدة اساس الوحدة وبدونها لا وحدة ولا امة ولا اسلام.
العقيدة الاسلامية لها سمات محددة تخرج من مشكاة الواقعية، فبكونها ـ كما قلنا ـ تراعي الحقائق الالهية والكونية والانسانية، فهي لا تؤمن الا بالحقيقة الواقعة.
ولذلك جاءت جميع دعوات الرسل واحدة، قال تعالى حكاية عن دعوات الرسل عليهم السلام: (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره) ويقول سبحانه وتعالى: (ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) ويقول سبحانه: (وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحى اليه انه لا اله الا انا فاعبدون).
انها حقيقة ثابتة لا يمكن تغيرها بتغيير الزمان والمكان، وهذا يدعونا الى تأمل حياة الرسل عليهم الصلاة والسلام، كيف عملوا على نشر هذه العقيدة؟ وكيف جابهوا اقوامهم، وتحملوا في سبيل عقيدتهم الاسلامية شتى صنوف العذاب والارهاق؟ وكانت النهاية نصرة لهم ولاتباعهم المؤمنين.
ان تجربة الرسالات السابقة فيها ملامح كثيرة ومعالم واضحة للسالكين في طريق الخير من امتنا، لم ترد اخبارهم واخبار قومهم وصراع الحق والباطل لمجرد ان نتلذذ بقراءتها، وانما لنعملها في واقعنا، ولا يكاد تحدث قضية الا وفي حياتهم عليهم السلام مؤثرات في التعامل معها، ولا تقع نوازل الا وفي حياتهم كواشف لها.
خذ قصة موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ مع بني اسرائيل في قضية الحفاظ على وحدة شعبهما، اليس فيها ما يعذر بعضنا بعضا بدلا من تشتيت الامة وتفريق صفها، قد تشتد القيادة فيما بينها ولكن يجب ان يبقى صف الامة واحدا، وعلى الاطراف ان تسعى الى حل مشكلتها وفق المنهج الالهي.
فلنتبع هذه الآيات الكريمة. وهي تشرح لنا هذا الموقف بكل تداعياته وحلوله، انها القيادة الواعية العظيمة، ولنسأل انفسنا اين منها اولئك الذين يفرقون الصف لاجل قضية فرعية، قد يكون دليلها قول عالم فحسب.
يقول الحق جل وعلا: (قال فانا قد فتنا قومك من بعدك واضلهم السامري. فرجع موسى الى قومه غضبان اسفا قال يا قوم الم يعدكم ربكم وعدا حسنا افطال عليكم العهد ام اردتم ان يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي. قالوا ما اخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا اوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك القى السامري.
فأخرج لهم عجلا جسدا له خور فقالوا هذا الهكم واله موسى فنسى. افلا يرون الا يرجع اليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا. ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم انما فتنتم به وان ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا امري.
قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع الينا موسى. قال يا هارون ما منعك اذ رأيتهم ضلوا. الا تتبعن افعصيت امري. قال يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي.
قال فما خطبك يا سامري. قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من اثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي. قال فاذهب فان لك في الحياة ان تقول لا مساس وان لك موعدا لن تخلفه وانظر الى الهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا. انما الهكم الله الذي لا اله الا هو وسع كل شيء علما. كذلك نقص عليك من انباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا).
وهذا موقف لا يحتاج الى تعليق وانما يحتاج الى تطبيق.
والعقيدة الاسلامية لا تؤحذ الا من وحي الله تعالى الذي نزل على هؤلاء الرسل الكرام، قال تعالى على لسان عبده عيسى بن مريم عليه السلام: (ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم).
اذن العقيدة الاسلامية حقائق كاملة وواقعة، وما يزيد عليها نقصان، لانها لا تقبل الاضافة من اي كان، ولو بلغ من العلم والفضل ما بلغ، يقول العلامة ابويعقوب الوارجلاني: (ولم يؤثر عن احد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انه شرع لاحد من مسائل الاعتقاد شيئا).
لم يدفع بالامة الى التشرذم والتمزق الا عندما اخترعوا لانفسهم مصطلحات وآراء ثم اعتقدوها عقيدة لا يجوز النكوص عنها، يقول العلامة ابويعقوب الوارجلاني: (اعلم ان الغالب على هذه الامة، حيث افترقت وتوزعتها الائمة، الغالب عليها التقليد، فاستبصرت كل فرقة في مذهبها، فأصيبت من جهة التقليد لغير مأمونين من الخطأ والزلل، وتركوا البحث فيما جاءهم عن ائمتهم، عادة الله في الذين خلوا من قبلهم تقليد الآباء والامهات والسلف الصالح والطالح).
ويقول العلامة احمد بن حمد الخليلي: (وليس هذا النزاع في اصول الدين، مع وحدة المصدر الذي تنهل منه العقول المتنازعة، الا نتيجة لتباين المدارك واختلاف التصورات عند ائمة الفرق، ثم يؤصله تعصب الجماهير لاقوال ائمتهم، بحيث تجعل كل طائفة قول امامها اصلا تطوع له الادلة المخالفة بكل ما تخترعه من التأويلات المتكلفة، فتوزعت الامة شيعا واحزابا (كل حزب بما لديهم فرحون).
ولو اننا تجردنا من هوى الاتباع والتقليد الاعمى، واخذت كل طائفة من الامة تبحث عما فيه نجاتها، لوصلنا الى نتيجة واحدة تسلمنا الى الاتفاق والتواد والتراحم، وان لم تكن نتيجة واحدة قاطعة، فانها ـ ولا ريب ـ لا تكون متنافرة متناحرة، فمن يستمد عقيدته من كتاب الله تعالى لا يمكن ان تؤدي به الى قطع عذر اخيه، الذي يستمد هو الآخر من كتاب الله تعالى، على اننا نؤكد دائما ان الانسان مطالب باتباع الدليل وان خالف ما عليه سلفه، يقول العلامة نور الدين السالمي:
ولا تناظر بكتاب الله
معناه لا تجعل له نظيرا
تحياتي لكم جاك
في امان الله